بيان صادر عن الغرف التجارية في قطاع غزة
حول التداعيات الكارثية لاستمرار إغلاق المعابر وتدمير الاقتصاد الفلسطيني
يشهد قطاع غزة أوضاعاً إنسانية واقتصادية كارثية، في ظل استمرار الإغلاق الكامل للمعابر من قبل الجانب الإسرائيلي، لليوم التاسع والخمسين على التوالي، دون أي مؤشرات لانفراجة قريبة. هذا الإغلاق المتعمد حرم أكثر من مليوني إنسان من المساعدات الإغاثية الأساسية، وأدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود، وسط تفاقم غير مسبوق في الأوضاع الصحية والمعيشية في جميع أنحاء القطاع.
يأتي ذلك بالتوازي مع استمرار منع دخول شاحنات القطاع الخاص بشكل كامل، ما تسبب في شلل شبه تام للحركة الإقتصادية، وتوقف عمليات الاستيراد والتصدير، وانهيار سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل غير مسبوق، في وقت يعاني فيه المواطنون من ظروف معيشية بالغة القسوة وإنعدام تام للقدرة الشرائية.
إن ما يحدث في غزة اليوم هو تجويع وتعطيش متعمد يُستخدم كسلاح ضد المواطنين المدنيين بشكل جماعي، في انتهاك صارخ لجميع القوانين والأعراف الدولية، وفي مقدمتها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقيات جنيف والتي تحظر استخدام العقوبات الجماعية وحرمان المدنيين من احتياجاتهم الأساسية.
لقد خلّف هذا الإغلاق تداعيات كارثية وغير مسبوقة على جميع مناحي الحياة في قطاع غزة، يمكن تلخيصها بعضها كما يلي:
أولاً: شلل شبه تام في الحركة التجارية وتعطل عمليات الاستيراد والتصدير، مما أدى إلى نفاد السلع الاساسية، وارتفاع حاد في أسعار ما تبقي منها، وحسب دراسات أجرتها الغرفة التجارية بغزة فقد أظهرت ارتفاع مؤشر الأسعار للسلع الأساسية حتى الأسبوع الماضي إلى 527 % عما كان عليه قبل الإغلاق منذ أكتوبر 2023.
ثانياً: إنعدام الأمن الغذائي وإنهيار منظومته بشكل كامل، نتيجة الانقطاع المستمر في دخول البضائع التجارية والمساعدات والمواد الغذائية ومنع المزارعين والصيادين من ممارسة عملهم.
ثالثاً: تدهور الحالة الصحية لعموم السكان وارتفاع معدلات سوء التغذية، لا سيما بين الأطفال والمرضى وكبار السن، كذلك تفاقم الحالات الصحية المزمنة، بسبب الاعتماد على وجبات محدودة وقليلة القيمة الغذائية مثل المعلبات، وكذلك على مياه غير صالحة للشرب، في ظل غياب البدائل.
رابعاً: انهيارًا كارثياً في المنظومة الاقتصادية بأكملها، نتيجة الحصار المشدد ومنع إدخال المواد الخام والوقود ومستلزمات الإنتاج، إلى جانب منع الوصول إلى الأراضي الزراعية وتعطيل أنشطة الصيد. هذا الشلل التام أصاب كافة القطاعات الإنتاجية والتجارية، وأدى إلى اغلاق مئات المصانع والمزارع والمنشآت، وتسريح عشرات الآلاف من العمال. وتبعًا لذلك، بلغ الوضع المعيشي مرحلة حرجة، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى أكثر من 85%، فيما تجاوزت معدلات الفقر 90%، وسط غياب كامل لأي مصدر دخل يضمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة. إن هذا الانهيار لا يهدد فقط حاضر الاقتصاد، بل يُنذر بكارثة اجتماعية وإنسانية طويلة الأمد.
خامساً: أزمة خانقة في توفير الوقود والغاز والكهرباء، انعكست على المرافق الصحية، ومحطات المياه، والمنشآت الخدمية، والمواصلات، وأثّرت بشكل مباشر على حياة المواطنين وتسببت بتوقف العديد من مؤسسات القطاع الخاص عن العمل.
سادساً: آثار اجتماعية ونفسية عميقة ناتجة عن إنعدام فرص العمل وتدهور الأوضاع المعيشية، خاصة في ظل الانقطاع شبه التام في الخدمات، والتعليم، والرعاية الصحية.
إن الغرف التجارية في قطاع غزة، باعتبارها ممثلة للقطاع الخاص وصوتًا للاقتصاد الوطني، تؤكد أن ما يجري هو عقاب جماعي ممنهج يخالف كل القوانين والمواثيق الدولية، ويستهدف تقويض مقومات الحياة في قطاع غزة. وعليه، نطالب بما يلي:
أولاً: نطالب المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، والأطراف الراعية لاتفاقيات التهدئة، إلى التحرك الفوري والجاد من أجل وقف الحرب وإنهاء هذا الحصار الظالم وعدم الإكتفاء بإصدار البيانات الداعمة رغم أهميتها.
ثانياً: فتح جميع المعابر أمام حركة البضائع والأفراد بشكل فوري ودائم، دون شروط أو قيود، وضمان تدفق البضائع والاحتياجات الإنسانية والاقتصادية ضمن آلية واضحة وشفافة للمؤسسات الإغاثية وللقطاع الخاص الفلسطيني.
ثالثاً: تسهيل دخول المواد الخام والمستلزمات الصناعية والطبية والوقود ومستلزمات الطاقة الشمسية ومستلزمات معالجة وتوزيع مياه الشرب، الي جانب الأليات ومعدات ومستلزمات البناء والإيواء.
رابعاً: نجدد رفضنا القاطع للآلية التي تم من خلالها إدخال شاحنات القطاع الخاص سابقًا، حيث أنها خضعت للاحتكار والابتزاز من قبل جهات غير رسمية تسعى لتحقيق مكاسب مالية على حساب المواطنين والتجار، عبر فرض أتاوات غير قانونية ومبالغ فيها. إن هذه الممارسات غير الأخلاقية تساهم في تعميق الأزمة، وتزيد من العبء الواقع على كاهل الناس.
خامساً: نؤكد رفضنا التام لآلية توزيع المساعدات المقترحة من الجانب الإسرائيلي، والتي تم تسريب بعض تفاصيلها، بأن يقوم الجانب الإسرائيلي أو شركات خاصة تابعة له بعسكرة توزيع المساعدات على مناطق جغرافية محددة والتمييز بين المستفيدين. ونجدد ثقتنا في آليات الأمم المتحدة لتوزيع المساعدات في غزة كما في أنحاء العالم.
سادساً: ندعو الي حشد الجهود من أجل البدء في مراحل التعافي والتنمية الاقتصادية والمجتمعية.
ختاماً، فإن الغرف التجارية، باعتبارها هيئة مستقلة تُعنى بالشأن الاقتصادي، نكرر الدعوة إلى إعادة السماح للقطاع الخاص بإدخال الشاحنات وتنظيم آلية إدخال البضائع وفق إطار شفاف وعادل، يضمن الرقابة والمساءلة، ويمنع الاستغلال، ويكفل وصول المساعدات والمواد الأساسية إلى مستحقيها من دون عراقيل، كما نؤكد استعدادنا التام للتعاون مع جميع الأطراف من أجل تحقيق ذلك.
ورغم كل شيء، ستبقى غزة صامدة بأهلها، بمزارعيها، بتجارها، بأصحاب المصانع والورش، وبعزيمة لا تلين، وإرادة لا تعرف الانكسار.
الغرف التجارية في قطاع غزة
27 نيسان / أبريل 2025