تفاصيل الخبر

تفاصيل الخبر المركز الإعلامي

بيان صحفي صادر عن الغرف التجارية بقطاع غزة

29 يونيو 2025

بيان صحفي صادر عن الغرف التجارية بقطاع غزة

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة لأكثر من تسعة عشر شهراً، وتفاقم الأزمة الإنسانية ودمار البنية التحتية، لازال أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة يتعرضون لحرب إبادة ممنهجة، حوّلت تفاصيل الحياة اليومية إلى معركة بقاء قاسية. فقد أُجبر السكان على العيش في مخيمات إيواء تفتقر إلى أدنى مقومات الكرامة الإنسانية، حيث أصبح الخبز ترفاً، والماء النظيف حلماً بعيد المنال، والدواء عملة نادرة، بينما تُرك الضمير الإنساني العالمي في مواجهة اختبارٍ تاريخي لم يسبق له مثيل.

وبعد مرور أكثر من 600 يوم على هذا العدوان الوحشي، لم تعد غزة على حافة المجاعة، بل اجتاحتها المجاعة فعلياً، وأصبحت واقعاً يومياً يفتك بالأطفال والنساء وكبار السن والمرضى. ما نشهده اليوم لم يعد مجرد أزمة إنسانية، بل انهيار شامل لنظام الحياة في ظل حصار خانق وتجويع ممنهج، وعجز دولي يثير الريبة، وصمت دولي يرقى إلى حد التواطؤ مع جرائم الحرب.

إننا، في الغرف التجارية في قطاع غزة، وبصفتنا المظلة الجامعة للقطاع الخاص، ومعنا شركائنا من مؤسسات واتحادات ونقابات وهيئات محلية ووجهاء وأعيان، نؤكد بوضوح أن قطاع غزة يندرج اليوم ضمن مناطق المجاعة وفقاً للتعريفات والمعايير الدولية، ونحمّل المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن هذا الواقع الكارثي واستمراره، وما ترتب عليه من انهيار في منظومة الأمن الغذائي والصحي والإنساني.

فرغم التصريحات الإسرائيلية بالسماح بدخول المساعدات، بعد تسعون يوماً من الحصار، لم يتجاوز ما دخل فعلياً خلال 10 أيام 253 شاحنة وذلك منذ إعلانها الأخير في 19 مايو وحتى اليوم، وهو رقم لا يلبي الحد الأدنى من احتياجات السكان المنهكين، في حين أن القطاع يحتاج إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة يومياً من مختلف السلع والمواد الأساسية المنقذة للأرواح.

إن ما وصل فعلاً من مساعدات – سواء في كميتها أو نوعيتها – لا يسد رمق طفل، ولا يكفي وجبة واحدة لعائلة فقدت مأواها، ولا يوفر حليباً لرضيع يواجه الموت جوعاً. وفي مخيمات الإيواء العشوائية التي أُقيمت في العراء، لا مياه صالحة للشرب، ولا وسائل للطهي أو التدفئة، ولا أدوات للنظافة أو أدوية أساسية. هذه الحالة المأساوية ليست سوى انعكاس لإدارة مقصودة للأزمة، يتم التحكم فيها بشكل كامل عبر تقييد تدفق المساعدات بمنطقة جغرافية محددة، وحرمان المناطق الأخرى، وفق معايير سياسية وأمنية لا إنسانية، تُسهم في إطالة أمد الكارثة بدلًا من إنهائها.

كما نُحذر بشدة من محاولات بعض الجهات المشبوهة الالتفاف على معاناة أهلنا تحت غطاء العمل الإنساني، عبر مبادرات ظاهرها الإغاثة وباطنها تنفيذ أجندات تتعارض مع المبادئ الإنسانية والثوابت الوطنية، من بينها تسهيل التهجير القسري من شمال القطاع إلى جنوبه. وقد قوبلت هذه المحاولات برفض واسع من مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني والشعبي والمنظمات الدولية، فيما جاءت استقالات مفاجئة من بعض القائمين عليها لتؤكد زيفها وتعارضها مع القيم والمبادئ الإنسانية.

وأمام هذا المشهد الإجرامي، فإننا في الغرف التجارية بقطاع غزة ومؤسسات المجتمع المدني والعشائر والمخاتير والاتحادات والنقابات الفلسطينية، ندين بأشد العبارات أي تعامل أو تعاون – محلي أو عربي أو دولي – مع المخطط الإسرائيلي أو مع أي شركات مشبوهة ترتبط به، ونستنكر ما نُقل عن تورط بعض الشركات المحلية أو العربية في مثل هذه التعاملات، مطالبين بإنزال أشد العقوبات بحق كل من يثبت تورطه، وملاحقته قانونياً محلياً وعربياً ودولياً، باعتباره شريكاً في جريمة الإبادة الممنهجة بحق شعبنا.

ونُؤكد أننا نتابع هذه القضايا المشبوهة عن كثب، ونواصل متابعة تداعيات الكارثة الإنسانية بكافة جوانبها مع كافة الجهات الوطنية والعربية والدولية، ونجدد استعدادنا الكامل للتعاون مع كل من يسعى بصدق وإخلاص لخدمة أهل غزة، دون المساس بسيادتنا أو ثوابتنا أو كرامتنا الإنسانية.

وفيما يتعلق بما يُسمى "المناطق الإنسانية" التي حددها الجانب الإسرائيلي لتوزيع المساعدات، فإننا نؤكد مجدداً فشل هذه الآلية فشلاً ذريعاً، كما أثبتت ذلك التقارير الميدانية وشهادات الإعلام العالمية. فقد تحوّلت هذه المناطق إلى كمائن مفتوحة ومصائد جوع وموت، تُستخدم لابتزاز المدنيين المحاصَرين ودفعهم قسراً إلى مواقع محددة تفتقر إلى أدنى شروط العمل الإنساني. وقد اندفع الآلاف من الجوعى، بعد أكثر من 90 يوماً من الحصار، بحثاً عن ما يسد الرمق، ليُقابلوا برصاص الاحتلال بدلاً من المساعدة. إن هذه الممارسات لا تعكس نية صادقة في تقديم الإغاثة، بل تُجسّد سياسة ممنهجة لإذلال السكان، وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وفرض مسارات إنسانية مسيّسة تخدم أجندات الاحتلال الأمنية والعسكرية.

وعليه، فإننا نطالب بما يلي:

أولاً: التحرك الدولي العاجل لوقف العدوان، وإنهاء جريمة الإبادة الجماعية والتجويع، باعتبارها انتهاكًا صارخاً للقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وميثاق الأمم المتحدة الذي يجرّم استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين.

ثانياً: نجدد الرفض القاطع للآلية الإسرائيلية المقترحة لإدخال المساعدات عبر شركة أمنية أمريكية وبمناطق محددة، لما تمثّله من تجاوز لمبدأ الحياد الإنساني، وانتهاك للعدالة والشفافية، وسابقة خطيرة في عسكرة العمل الإغاثي وتحويله إلى أداة رقابة أمنية.

ثالثاً: نجدد ثقتنا الكاملة في وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعتمدة، التي أثبتت مهنيتها في إدارة الأزمات رغم العراقيل.

رابعاً: نجدد مطالبتنا الفورية بالسماح للقطاع الخاص الفلسطيني بالاستيراد المباشر لكافة السلع والمواد الخام، بما يشمل الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة، ومستلزمات الإنتاج كخطوة أساسية وضرورية ومستدامة، نحو إنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة في القطاع، دون عراقيل أو قيود.

ختاماً إن ما يحدث في غزة لم يعد يحتمل التأجيل أو التذرع بالإجراءات. فكل ساعة تمر تعني المزيد من الأطفال الذين يموتون جوعاً، والمزيد من المرضى الذين يُتركون بلا علاج، والمزيد من العائلات التي لا تجد قوت يومها. لذا، نحمل المجتمع الدولي كامل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، وندعو كل صوتٍ حر للوقوف معنا في غزة، من أجل وقف هذا العدوان، وفتح المعابر بشكل فوري، وإدخال المساعدات دون شروط أو قيود أو وسطاء.

الغرف التجارية بقطاع غزة       

         29 مايو 2025